أصبحت منصات التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة تشغل حيزا كبيرا من حياتنا و اهتمامنا، حيث صرح مارك زوكربيرغ، مؤسس فايسبوك الذي يضم أكثر من ملياري مستخدم، أنّ المستخدم العادي يقضى في المتوسط 50 دقيقة يوميا على الموقع، غير أن المدة تختلف من شخص لآخر.
مواقع التواصل الاجتماعي صممت خصيصا للإبقاء على الجماهير فيها لأطول مدة ممكنة من خلال ما تقدمه من محتوى و مزايا تفاعلية يتم تحديثها دوريا. في فيفري 2009 أطلق فايسبوك لأول مرة زر الإعجاب “اللايك”، هذا الزر على بساطته أحدث ثورة في مفهوم مواقع التواصل الاجتماعي، فمن جهة أتاح لمسيري الموقع فهم المستخدمين بشكل أعمق، فعبر الضغط على هذا الزر يستطيع فيسبوك تحليل الأنماط الإستهلاكية لكل فرد من بين 2 مليار حساب مما يتيح استهدافه بمحتوى يلائم تفضيلاته. ومن جهة أخرى خلق لدى المستخدم رغبة متزايدة في الحصول على الإعجابات، فبعيدا عن كونها مؤشرا للإعجاب والقبول الإجتماعي لقد أضهرت الدراسات أنّ أنّه في كل مرة يتلقى الشخص إشعارا على مواقع التواصل الاجتماعي يقوم الدماغ بإطلاق جرعات صغيرة من هرمون الدوبامين الذي يشعرنا بالسعادة و النشوة و الرضى و يدفع الإنسان لتكرار ذلك السلوك حتى يحصل على نفس الجرعات من المتعة الزائفة، بمعنى آخر أن الدوبامين هو هرمون الإدمان.
هذه الحقيقة العلمية تجعل مواقع التواصل الإجتماعي مانح للدوبامين تماما مثل الكحول، المخدرات، ممارسة الجنس و القمار و رغم أنّ كل هذه الأنشطة المسببة للإدمان تخضع لرقابة القانون و محددة بالسن القانوني للرشد حين يكون الشخص طور دفاعات نسبية ضد مسببات الإدمان، إلاّ أنّ مواقع التواصل رغم تشابه تأثيراتها لكنها لا تخضع لأي رقابة و هي مسموحة لكل الفئات العمرية.
لكن متى نقول عن أحدهم أنّه مصاب بإدمان مواقع التواصل؟
تتعدد أعراض الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي وتختلف من شخص لآخر، كالأتي:
1- تفقد حسابات مواقع التواصل هو أول شيء تقوم به صباحا عند الاستيقاظ مباشرة.
2- تتفقد حساباتك أينما تكون في كل مكان و كل وقت و تكون أول شيء تفكر في القيام به خلال أوقات فراغك.
3- تتفقد كل الإشعارات أول بأول، وتعد الإعجابات والمشاركات التي تتلقاها.
4- ترغب بالتواصل مع أصدقائك و عائلتك فقط عبر مواقع التواصل الإجتماعي ولا تهتم باللقاءات الإجتماعية الحقيقية.
5- تلتقط صورا لكلّ شيء تقريبا حتى تشاركها على صفحاتك الخاصة.
6- تصاب بالتوتر عند الإبتعاد عنها و يزعجك إنقطاع الأنترنت أو موت بطارية هاتفك.
7- تستخدمها للتخلص من المشاعر السلبية.
8- تكون مشغول البال بما يحدث في مواقع التواصل و تشعر أنّ هناك أمرا ما سيفوتك إنْ لم تطلع عليها.
9- تستمتع عند إستخدامها و تشعر بالرضى عند مشاركة أمر ما و الحصول على تفاعلات.
10- تقضي وقتا على السوشل ميديا على حساب المهام الواجب القيام بها.
إذا كنت تعاني أكثر من ثلاثة من بين هذه الأعراض فأنت مدمن سوشل ميديا، و يتفقد مدمنو السوشل ميديا هواتفهم لما يبلغ 150 مرة يوميا.
لكن ما الذي يجعل مواقع التواصل مغرية لهذا الحد؟
ورد في دراسة لمارتن ليندستورم أن 80 بالمئة من مستخدمي الهواتف النقالة يبقون على نغمة الرنين الإفتراضية Default والتي تأتي كأول نغمة رنين مع الجهاز، وهو ما أطلق عليه العلماء مشكلة الخيار الإفتراضي أو Default option.
أغلبنا لا يغيّر النّغمة الافتراضيّة -رغم أنّه قد لا يحبها- ذلك لأن الخيار الافتراضيّ السّهل إذ لا يتطلّب منّا فعل أيّ شيء في حين تغيير النّغمة يتطلب “جهد” إضافيا بأن نذهب إلى قائمة الأصوات و الاستماع لعدة نغمات ثم اختيار النغمة التي تعجبنا و من ثم تثبيتها. و أقول “جهد” لأنه يتطلب منّا تكريس جهد و موارد مهما كانت صغيرة.
المشكلة هنا لا تكمن في نغمة الهاتف و لكن في كوننّا نجرّ هذا النمط من التفكير في أمور أخرى. مشكلة الخيار الإفتراضي في عاداتنا الحياتية تظهر مثلا في أنّنا نفضل تصفح الفايسبوك عوض قراءة الكتب، لأنّ الشركة تستثمر في مشكلة الخيار الإفتراضي و تعمل على جعل الفايسبوك الخيار الإفتراضي الأول لدى المستخدم فلا يبذل أي جهد في تسجيل الدخول حتى أنها وضعت خاصية الدخول بدون ادخال كلمة السر في أجهزة المستخدم المسجلة و تطبيقات الهاتف سهلة الولوج، ففي حين تقرر تصفح صفحتك الشخصية لمدة 5 دقائق قبل النوم تجد نفسك قضيت 3 ساعات وهو وقت كان بالإمكان استثماره في خيارات أخرى لكنها بدت لك أصعب كونها غير متاحة “افتراضيا”.
الخبر السار أن هناك طرق للتقليل من أثر هذه المشكلة حيث ينصح بنزع الفايسبوك من قائمة الخيارات الإفتراضية، حيث لو أنّك قمت بمسح التطبيق من هاتفك فسيصبح تصفح صفحتك الشخصية يتطلب جلوسك على اللابتوب و تشغيله و هو جهد إضافي، فالحل الأمثل للقضاء على إدمان مواقع التواصل هو عدم إستخدامها مباشرة من الهاتف بل من الحاسوب ما سيجعلها أقل سهولة في التصفح و بالتالي أقل جاذبية.
إضافة إلى ذلك يمكن الإستعانة بعدد من الطرق:
1- إتباع قاعدة اليوم الواحد، و هي قاعدة تنص على الإبتعاد كليا عن مواقع التواصل الاجتماعي ليوم واحد أسبوعيا و التفرغ للقيام بالأعمال الهامة و ممارسة أنشطة اجتماعية فعلية، هذه القاعدة مناسبة للتغلب على أعراض الانسحاب التي ترافق كل إدمان من خلال جعل المدة قصيرة بدل قاعدة الثلاثين يوما التي تجعل الشخص غير قادر على ممارسة حياته و مهامه بفعالية و تعرضه لإدمان لاحقا.
2- إلغاء متابعة 50 % من الصفحات التي تسبب التشويش دون إعطاء قيمة مضافة.
3- تغيير مكان الهاتف عند القيام بنشاطات مهنية أو دراسية بتركه خارج الغرفة أو بعيدا عن متناول اليد.
4- الإستعانة بالتطبيقات التي تساعد على إزالة هذا الإدمان مثل: Offtime – QualityTime Freedom – Moment .
في النهاية يجب فهم أنّ مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة يحدد المستخدم كيفيك إستخدامها و ليست هي التي تفرض عليه كيفية التعامل معها.